كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَرَبُّ المشارق} لم يذكر في هذه الآية إلا المشارق وحدها، ولم يذكر فيها المغارب.
وقد بيّنا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب: وجه اختلاف ألفاظ الآيات في ذلك. فقلنا فيه في الكلام على قوله تعالى: {وَللَّهِ المشرق والمغرب} [البقرة: 115] ما لفظه أفرد في هذه الآية الكريمة المشرق والمغرب، وثناهما في سورة الرحمن في قوله تعالى: {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} [الرحمن: 17] وجمعهما في سورة {سَأَلَ سَائِل} في قوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ المشارق والمغارب} [المعارج: 40] وجمع المشارق في سورة الصافات في قوله تعالى: {رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق} [الصافات 5].
والجواب: أن قوله هنا: {وَللَّهِ المشرق والمغرب} المراد به جنس المشرق والمغرب، فهو صادق بكل مشرق من مشارق الشمس التي هي ثلاثمائة وستون، وكل مغرب من مغاربها التي هي كذلك كما رُوي عن ابن عباس وغيره.
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه: وإنما معنى ذلك: ولله المشرق الذي تشرق منه الشمس كل يوم، والمغرب الذي تغرب فيه كلّ يوم.
فتأويله إذا كان ذلك معناه: ولله ما بين قطري المشرق وقطري المغرب إذا كان شروق الشمس كلّ يوم من موضع منه لا تعود لشروقها منه إلى الحول الذي بعده، وكذلك غروبها. انتهى منه بلفظه.
وقوله: {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} [الرحمن: 17] يعين مشرق الشتاء، ومشرق الصيف، ومغربهما كما عليه الجمهور، وقيل: مشرق الشمس والقمر ومغربهما.
وقوله: {بِرَبِّ المشارق والمغارب} [المعارج: 40] أي مشارق الشمس ومغاربها كما تقدم. وقيل: مشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها. والعلم عند الله تعالى.
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى: {وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النجوم لِتَهْتَدُواْ بِهَا} [الأنعام: 97] الآية. وقرأ هذا الحرف السبعة غير عاصم وحمزة، بإضافة {زينة} إلى {الكواكب} أي بلا تنوين في {زينة} مع خفض الباء في {الكواكب}. وقرأه حمزة وحفص عن عاصم: بتنوين {زينة} وخفض {الكواكب} على أنه بدل من {زينة}. وقرأه أبو بكر عن عاصم: {بزينة الكواكب} بتنوين {زينة} ونصب {الكواكب} وأعرب أبو حيان {الكواكب} على قراءة إعرابين.
أحدهما: أن {الكواكب} بدل من {السماء} في قوله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السماء} والثاني: أنّه مفعول به لزينة بناء على أنه مصدر منكر، كقوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 17] {يَتِيمًا} [البلد: 15] الآية.
والأظهر عندي: أنّه مفعول فعل محذوف تقديره أعني {الكواكب} على حد قوله في الخلاصة:
ويحذف الناصبها إن علما ** وقد يكون حذفه ملتزما

قوله تعالى: {وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} إلى قوله: {شِهَابٌ ثَاقِبٌ}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في الكلام على قوله تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلاَّ مَنِ استرق السمع} [الحجر: 1718] الآية في سورة الحجر.
{فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)}.
ذكر في هذه الآية الكريمة برهانين من براهين البعث، التي قدمنا أنها يكثر في القرآن العظيم الاستدلال بها على البعث.
الأول: هو المراد بقوله: {فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} لأنّ معنى {فاستفتهم} استخبرهم والأصل في معناه: اطلب منهم الفتوى: وهي الأخبار بالواقع فيما تسألهم عنه أهم أشدّ خلقًا أي أصعب إيجادًا واختراعًا، أم من خلقنا من المخلوقات التي هي أعظم وأكبر منهم، وهي ما تقدّم ذكره من الملائكة المعبر عن جماعاتهم بالصافات، والزاجرات، والتاليات، والسماوات، والأرض، الشمس والقمر، ومردة الشياطين كما ذكر ذلك كله في قوله تعالى: {رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق إِنَّا زَيَّنَّا السماء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} [الصافات 57].
وجواب الاستفتاء المذكور الذي لا جواب له غيره هو أن يقال: من خلقت يا ربنا من الملائكة، ومردة الجن والسماوات، والأرض، والمشارق، والمغارب، والكواكب، أشد خلقًا منا، لأنها مخلوقات عظام أكبر، وأعظم منا فيتضح بذلك البرهان القاطع على قدرته جل وعلا على البعث بعد الموت، لأن من المعلوم بالضرورة أن من خلق الأعظم الأكبر كالسماوات والأرض، وما ذكر معهما قادر على أن يخلق الأصغر الأقل كما قال تعالى: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} [غافر: 57] أي ومن قدر على خلق الأكبر فلا شك أنه قادر على خلق الأصغر، كخلق الإنسان خلقًا جديدًا بعد الموت. وقال تعالى: {أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بلى وَهُوَ الخلاق العليم} [يس 81] وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى بلى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف: 33] وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [الإسراء: 99] وقال تعالى في النازعات موضحًا الاستفتاء المذكور الصافات هذه: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السماء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا والجبال أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [النازعات: 2733].
وقد علمت أن وجه العبارة بمن التي هي للعالم في قوله تعالى: {أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} عن السماوات والأرض والكواكب هو تغليب ما ذكر معها من العالم كالملائكة على غير العالم، وذلك أسلوب عربي معروف.
وأما البرهان الثاني: فهو في قوله: {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} لأن من خلقهم أولًا من طين، وأصله التراب المبلول بالماء لا يشك عاقل في قدرت على خلقهم مرة أخرى بعد أن صاروا ترابًات، لأن الإعادة لا يعقل أن تكون أصعب من البدء والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة جدًا كقوله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس 79] الآية. وقوله تعالى: {وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ}.
عليه [الروم: 27] وقوله تعالى: {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} [الحج: 5].
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذين البرهانين وغيرهما، من براهين البعث في سورة البقرة والنحل والحج وغير ذلك.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} اللازب: هو ما يلزق باليد مثلًا إذا لاقته، وعبارات المفسرين فيه تدور حول ما ذكرنا، والعرب تطلق اللازب واللاتب واللازم، بمعنى واحد، ومنه في اللازب قول علي رضي الله عنه:
تَعَلَّم فإنّ الله زادكَ بَسطةً ** وأخلاقَ خيرٍ كُلُّها لَك لازِب

وقول نابغة ذبيان:
ولا يحسبون الخير لا شر بعده ** لوا يحسبون الشر ضربة لازب

فقوله: ضربة لازب: أي شيئًا ملازمًا لا يفارق، ومنه في اللاتب قوله:
فإن يك هذا من نبيذ شربته ** فإني من شرب النبيذ لتائب

صداع وتوصيم العظام وفترة ** وغم مع الإشراق في الجوف لاتب

والبرهانان المذكوران على البعث يلقمان الكفار حجرًا في إنكارهم البعث المذكور بعدهما قريبًا منهما في قوله تعالى: {وقالوا إِن هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَآؤُنَا الأولون قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} [الصافات 1519].
{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)}.
قرأ هذا الحرف عامة القراء السبعة غير حمزة والكسائي: {عجبت} بالتاء المفتوحة وهي تاء الخطاب، المخاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ حمزة والكسائي: {بل عجبت} بضم التاء المتكلم، وهو الله جل وعلا.
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن القراءتين المختلفتين يحكم لهما بحكم الآيتين.
وبذلك تعلم أن هذه الآية الكريمة على قراءة حمزة والكسائي فيها إثبات العجب لله تعالى، فهي إذًا من آيات الصفات على هذه القراءة.
وقد أوضحنا طريق الحق التي هي مذهب السلف في آيات الصفاتن وأحاديثها في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} [الأعراف: 54] فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
{وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الروم، في الكلام على قوله تعالى: {وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إلى يَوْمِ البعث فهذا يَوْمُ البعث} [الروم: 56] الآية.
{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)}.
المراد بالذين ظلموا الكفار كما يدلّ عليه قوله بعده: {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله}.
وقد قدمنا إطلاق الظلم على الشرك في آيات متعددة كقوله تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. وقوله تعالى: {والكافرون هُمُ الظالمون} [البقرة: 254]. وقوله تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظالمين} [يونس: 106].
وقد ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر الظلم بالشرك في قوله تعالى: {وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]. وقوله تعالى: {وَأَزْوَاجَهُمْ} جمهور أهل العلم منهم: عمر وابن عباس، على أن المراد به أشباههم ونظراؤهم، فعابد الوثن مع عابد الوثن، والسارق مع السارق، والزاني مع الزاني، واليهودي مع اليهودي، والنصراني مع النصراني، وهكذا وإطلاق الأزواج على الأصناف مشهور في القرآن، وفي كلام العرب كقوله تعالى: {والذي خَلَقَ الأزواج كُلَّهَا} [الزخرف: 12] الآية. وقوله تعالى: {سُبْحَانَ الذي خَلَق الأزواج كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} [يس 36]، وقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شتى} [طه: 53] الآية. وقوله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ} [الحجر: 88] إلى غير ذلك من الآيات.
فقوله تعالى: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ} أي اجمعوا الظالمين وأشباههم ونظراءهم، فاهدوهم إلى النار ليدخلها جيمعهم، وبذلك تعلم أن قول من قال: المراد بأزواجهم نساؤهم اللاتي على دينهم خلاف الصواب. وقوله تعالى: {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} أي احشروا مع الكفار الشركاء التي كانوا يعبدونها من دون الله ليدخل العابدون والمعبودات جميعًا النار كما أوضح ذلك بقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هؤلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: 9899] وقد بيّن تعالى أن الذين عبدوا من دون الله من الأنبياء، والملائكة، والصالحين كعيسى وعزير خارجون عن هذا، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] إلى قوله: {هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103]، وأشار إلى ذلك في قوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وقالوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزخرف: 5759] الآية. وقوله تعالى: {أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57] الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فاهدوهم} من الهدي العام: أي دلّوهم وأرشدوهم إلى الصراط الجحيم أي طريق النار ليسلكوها إليها، والضمير في قوله تعالى: {فاهدوهم} راجع إلى الثلاثة أعني الذين ظلموا، وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله.
وقد دلت هذه الآية أن الهدي يستعمل في الإرشاد والدلالة على الشر، ونظير ذلك في القرآن قوله: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير} [الحج: 4] ولذلك كان للشرِّ أئمة يؤتم بهم فيه كقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار} [القصص: 41] الآية.
{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25)}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المرسلين} [الأعراف: 6]، وبيّنا هناك وجه الجمع بين الآيات في نحو قوله تعالى: {وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} [القصص: 78]، وقوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} [الرحمن: 39]، مع قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الحجر: 9293] وقوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِم} [الأعراف: 6] الآية. وقوله هنا: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ}.
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له مع التعرض لإزالة إشكالين في بعض الآيات المتعلقة بذلك، في سورة {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} [المؤمنون: 1] في الكلام على قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32)}.
قد قدمنا الآيات المبيّنة للمراد بالقول الذي حق عليهم في سورة يس في الكلام على قوله تعالى: {لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ} [يس 7] الآية، وما ذكره جلّ وعلا عنهم من أنهم قالوا: إنه لما حقّ عليهم القول الذي هو: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [هود: 119] فكانوا غاوين أغووا أتباعهم لأنّ متّبع الغاوي في غيِّه، لابد أن يكون غاويًا مثله، ذكره تعالى في غير هذا الموضع كقوله تعالى في سورة القصص: {قَالَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول رَبَّنَا هؤلاء الذين أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَاَ} [القصص: 63] الآية، والإغواء الإضلال.
{فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)}.
ذكر جلّ وعلا في هذه الآية أن الضالين والمضلين، مشتركون في العذاب يوم القيامة، وبين في سورة الزخرف أن ذلك الاشتراك ليس بنافعهم شيئًا، وذلك في قوله تعالى: {وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39] وبيّن في مواضع أخر أن الأتباع يسألون الله، أن يعذب المتبوعين عذابًا مضاعفًا لإضلالهم إياهم، كقوله تعالى: {حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النار قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} [الأعراف: 38] الآية. وقوله تعالى: {وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب والعنهم لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 6768].
وقد قدمنا الكلام على تخاصم أهل النار وسيأتي إن شاء الله له زيادة إيضاح في سورة ص في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} [ص: 64].